سعيد الحاج - الجزيرة

للقانون الذي تُنظمُ الانتخابات وفقه أهمية كبيرة في تحديد النتائج أو بعضها في كثير من الدول، وتركيا ليست استثناءً في ذلك. وقد تأثرت نتائج الانتخابات الفائتة في 2018 بقانون التحالفات الانتخابية بشكل مباشر، كما يتوقع أن يكون لتعديل القانون الذي أقر العام الماضي تأثيره على مسار العملية الانتخابية ونتائجها.

قانون هوندت

تعتمد تركيا في الانتخابات البرلمانية نظام "هوندت" للتمثيل النسبي، والذي يسعى للمواءمة والتوازن بين دقة التمثيل واستقرار البرلمان. هذا النظام، الذي أوجده الرياضي البلجيكي فكتور هوندت (Victor D’Hondt)، يعتمد على قسمة عدد الأصوات التي حصل عليها كل حزب سياسي في كل دائرة انتخابية على حدة على الأرقام بشكل تصاعدي، بدءاً من الرقم واحد وحتى عدد النواب المطلوب انتخابهم في تلك الدائرة، ثم توزيع مقاعد تلك الدائرة على الأحزاب السياسية باختيار الأرقام الأعلى التي نتجت عن عملية القسمة.

هذه الطريقة المعقدة نسبيا، التي تستخدمها إضافة لتركيا دول أخرى من بينها عدة بلدان أوروبية، يضاف لها "عتبة انتخابية" مطلوب من الأحزاب السياسية تخطيها لدخول البرلمان. الهدف النظري من هذه العتبة (أو الحاجز) هو ضمان وجود كتل نيابية كبيرة في البرلمان، مما يساعد على الاستقرار، غير أنها استخدمت في كثير من الأحيان لمنع تيارات بعينها من دخول البرلمان لا سيما بعد انقلاب 1980 وفي مقدمتها الأحزاب الإسلامية والكردية، إذ هي تخدم الأحزاب الكبيرة على حساب الأحزاب الصغيرة.

تمثلت هذه العتبة بنسبة 10% قبل أن تعدّل العام الفائت إلى 7%، وقبل ذلك أخضَعَ تعديلٌ سابق التحالفات الانتخابيةَ وليس فقط الأحزابَ للمادة نفسها. وبالتالي فإن الحزب أو التحالف الانتخابي الذي لا يستطيع الحصول على نسبة 7% من الأصوات في عموم تركيا (مجموع معها أصوات الأتراك في الخارج) لن يدخل البرلمان، وتوزع الأصوات التي حصل عليها على الأحزاب/التحالفات الأخرى حسب نسبة التصويت التي حصلت عليها في تلك الدائرة الانتخابية (وليس عموم تركيا).

بعد اعتماد النظام الرئاسي في البلاد، وفي ظل حاجة الرئيس المنتخب للحصول على أكثر من 50% من أصوات الناخبين، وعدم قدرة أي من الأحزاب على تخطيها بمفرده، تبدّت الحاجة للتحالف بين الأحزاب، وقد أُقر ذلك قانونا عام 2018. وقد كان من نتائج هذا التعديل أن زادت أهمية الأحزاب الأصغر حجما في المعادلة السياسية الداخلية لحاجة الأحزاب الأكبر لها في الانتخابات.

في أبريل/نيسان من العام الماضي، أقر البرلمان مشروع قانون لتعديل قانون الانتخاب تقدم به تحالف الجمهور المكوّن من العدالة والتنمية والحركة القومية، شمل ضمن بنوده تخفيض العتبة من 10% إلى 7%، وإلغاء وجود كتلة برلمانية من شروط مشاركة الأحزاب في الانتخابات، وحساب الفائزين بمقاعد البرلمان وفق نتيجة أحزابهم -وليس التحالف ككل- في كل دائرة انتخابية على حدة.

ويبدو أن الدافع وراء هذه التعديلات كان الدروس المستخلصة من الانتخابات السابقة، إضافة إلى أن خفض العتبة الانتخابية كان مطلبا للجميع منذ مدة طويلة. فقد "اقترض" الحزب الجيد 20 برلمانيا من الشعب الجمهوري ليحق له دخول الانتخابات (استقالوا من حزبهم وانضموا للحزب الجيد مؤقتا)، في حين قدّر تحالف الجمهور الحاكم أن طريقة حساب نتيجة التحالفات أضرت به وأفادت تحالف المعارضة، بينما لو حسب نواب كل حزب حسب نتيجته الذاتية لكان التحالف رفع عدد نوابه بـ14 عضوا (11 للعدالة والتنمية، و3 للحركة القومية).

الانعكاسات

الانعكاس المباشر للتعديل الأخير لقانون الانتخاب والذي سيجرى الاقتراع على أساسه هو تقليل أهمية التحالفات في الانتخابات البرلمانية عما كانت عليه في السابق. ففي الانتخابات كان يكفي الحزب الأصغر في أي تحالف نتيجة متواضعة حتى يدخل البرلمان، إذ كان الحزب الأكبر -المتحالف معه- يضمن نتيجة جيدة للتحالف، ثم يقسم عدد النواب الذين كسبهم التحالف على الأحزاب المكونة له، لكن الآن سيكسب الحزب الأصغر مقاعد في البرلمان فقط إذا كانت نتائجه تتيح ذلك، مما يقلل من أهمية التحالفات في هذا الإطار.

لكن ذلك لم -ولن يدفع- الأحزاب للزهد في تشكيل التحالفات، فهي ذات أهمية قصوى في الانتخابات الرئاسية في المقام الأول، كما أن فائدتها في الانتخابات البرلمانية ما زالت قائمة وإن تراجعت، لكنها تفرض على الأحزاب المتحالفة التخطيط بشكل مختلف عن السابق.

وتزداد أهمية ذلك لأن منافسة شرسة ستدور بين التحالفات بخصوص الانتخابات البرلمانية، إذ إن الهدف الأبرز الذي أعلنه تحالف الشعب/الأمة المعارض هو العودة بالبلاد للنظام البرلماني، وهو ما يحتاج لثلثي مقاعد البرلمان لإقراره أو نسبة 60% على أقل تقدير لعرضه على استفتاء شعبي. ومن جهة أخرى، ورغم أن الرئيس المنتخب يملك صلاحيات واسعة وفق النظام الرئاسي المعمول به حاليا، فإنه لا يريد أن يحصل التحالف الآخر على أغلبية البرلمان بما يمكن أن يصعّب عليه مهامه أو يعيق بعض قراراته.

وحتى يكون للأحزاب الصغرى في التحالفات أو حديثة التأسيس فرصة كبرى في دخول البرلمان، ستحتاج التحالفات القائمة للتحايل على قانون الانتخاب المعدّل. يمكن أن يحصل ذلك بدخول البرلمان بقوائم مشتركة تضم مرشحين عن كل أحزاب التحالف بحيث لا تقدم الأحزاب الصغيرة مرشحين باسمها، أو أن يكون هناك تنسيق ودعم من الأحزاب الكبرى لها بحيث لا تقدم مرشحين في الدوائر التي فيها فرصة معقولة للأحزاب الصغرى وتوجّه ناخبيها للتصويت لها، أو أن تمزج بين هذه وتلك، وإلا كان في مشاركتها منفردة مغامرة كبيرة.

يبدو ذلك أكثر وضوحا في تحالف الشعب المعارض، حيث يُنتظر أن يرشح الشعب الجمهوري -أكبر أحزاب التحالف- عددا من كوادر الأحزاب الأخرى الصغرى في التحالف (السعادة، الديمقراطي، المستقبل، الديمقراطية والتقدم) وربما من خارج التحالف على قوائمه. وهذا لا يمنع أن تقدم بعض هذه الأحزاب قوائمها الخاصة بها، لا سيما إذا كانت في محافظات ودوائر بعينها يكون لها فيها حضور أفضل وبالتالي حظوظ أوفر، وقد صرح حزب الديمقراطية والتقدم بأنه ينوي فعل ذلك.

ولأن الأحزاب التي يمكن أن يقدم الشعب الجمهوري مرشحيها على قوائمه كثيرة، ولأن هذا الأمر جزء من التفاهمات داخل إطار التحالف فيما يبدو، فقد يكون للأمر تداعيات على خريطة البرلمان المقبل وتوازنات الأحزاب داخله وعدد نوابها فيه، لا سيما وأن استمرار تحالف الأحزاب الستة بعد الانتخابات ليس أكيدا أو مضمونا.

أخيرا، من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن تركيبة البرلمان المقبل، ولا سيما لجهة الأغلبية والأقلية، تعتمد على عدد النواب وليس نسبة تصويت الأحزاب، وهما أمران غير متطابقين في معظم الحالات، وقد يكون بينهما فارق كبير بسبب قانون الانتخاب والعتبة الانتخابية على وجه التحديد.

إذ إن فشل بعض الأحزاب في دخول البرلمان سيعني توزيع أصواتها على الأحزاب الأخرى. وحسب النتيجة التي تحصلت عليها هذه الأحزاب، وحسب ترتيب الأحزاب في تلك الدوائر، سيكون انعكاس الأمر على الأحزاب الأخرى، خصوصا الكبيرة منها، مما يعني أن حصول تحالف ما على نسبة أعلى من تحالف آخر لا يوحي بأنه سيحصل بالضرورة على عدد نواب أكثر.

ولذلك، تحديدا، من الصعب الجزم بتركيبة البرلمان المقبل. ولئن أشارت معظم التقديرات إلى أن المعارضة، المكونة من تحالف الشعب وحزب الشعوب الديمقراطي الذي لم ينضم له، ستحصل على أغلبية بسيطة في البرلمان المقبل، وهو ما رجحناه سابقا، فإن ذلك ليس مقطوعا به، وقد يتغير إذا حصلت مفاجآت مع بعض الأحزاب الأخرى خصوصا في المحافظات التي يملك التحالف الحاكم وتحديدا العدالة والتنمية فيها حضورا أفضل. ولذلك، سنعود لتوقعات نتائج الانتخابات بشيء من التفصيل في مقال قادم بعون الله.

عن الكاتب

سعيد الحاج

باحث في الشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس