د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس

صرّح القرآن الكريم بتكريم الإنسان وتفضيله على سائر خلقه في الأرض، وجاء ذلك في آيات صريحة كثيرة، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً *} [الإسراء: 70].

وكرمه بأنْ سخّر له ما في الكون، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20].

وصرّح القرآن الكريم بأنّ الله تعالى خلق الأنعام، وملَّكها للإنسان، ثم ذلّلها له للركوب، والأكل، والمنافع، والمشارب، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا  رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ *وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ *} [يس: 71 ـ 73].

ووجّه القرآن الكريم الإنسان إلى البحث في الكون، والتعرف على خواصّه وأسراره، والانتفاع به في الحياة.

فقال تعالى عن الثروة المائية: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [النحل: 14]. وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ *} [الأنعام: 141].

وقال تعالى عن الثروة الحيوانية: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ *وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ *وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ *وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *} [النحل: 5 ـ 8].

وقال تعالى عن الثروة الصناعية: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ *} [الحديد: 25]. وقال تعالى: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ *} [سبأ: 10 ـ 11].

تكريم الإنسان بالعقل:

فالعقل هو الأداة الكبرى للمعرفة، ويتفرّع عنه التفكير، والإرادة، والاختيار، وكسب العلوم؛ لذلك كان الإنسانُ مسؤولاً عمّا يصدر عنه، قال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً *} [الإسراء: 36].

وعدّ القرآن الكريم الإنسانَ الذي يعطل حواسه وعقله أضلّ من الأنعام والحيوان؛ لأن لديه وسائل المعرفة، لكنه عطلها عما خلقت له. قال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ *} [الأنفال: 22].

وقد تعدّدت الآيات القرآنية صراحةً وإشارةً في مخاطبة العقل، ودعوته للتفكير، والنظر والبحث في الكون، وجعل التفكير فريضة إسلامية. قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُِولِي الأَلْبَابِ *الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ *} [آل عمران: 190 ـ 191]. وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ *}[الروم: 24] وقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ *}[البقرة: 164] وقال تعالى: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ *}[الرعد: 4].

وآيات كثيرة تثيرُ العقلَ وتحثّه، وتؤدي بالعقل إلى الإيمان بالله تعالى، واليقين بأنّه الخالق المدبر.

وبالمقابل إذا فشل العقل في أداء هذه الوظيفة فقد وجوده، وسلب الإنسان إنسانيته، وهذا ما أكّده القرآن الكريم بنفي العقل عن الكفار، وحكم عليهم بأنّهم لا يعقلون، وذلك لعدم الاستفادة من السمع والبصر للانتفاع من آيات الكون التي تنطِقُ بوجود الله تعالى، وتوجب طاعته، وعندئذٍ ينسلخ الكافر من إنسانيته، ويتساوى بالحيوان ثم ينحدر عنه، قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً *}[الفرقان: 43 ـ 44]. (حقوق الإنسان، للزحيلي ص 54).

 تكريم الإنسان بالأخلاق والفضائل:

تظهر كرامة الإنسان والدعوة إلى تكريمه بدعوة الإسلام إلى الأخلاق الفاضلة، وترغيب الفرد والمجتمع بمعالي الأمور، والتسامي عن المادة،

والحض على الخير والفضيلة بين الناس؛ لذلك وصف القرآن الكريم نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم بأعلى أوسمةِ الفخار والثناء، فقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ *} [القلم: 4]. وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاق». (الموافقات للشاطبي 1/195)

فدعا الإسلامُ الناسَ جميعاً إلى البِرِّ، والرحمة، والإخاء، والمودة، والتعاون، والوفاق، والصدق، والإحسان، ووفاء الوعد، وأداء الأمانة، وتطهير القلب، وتخليصه من الشوائب، كما دعا إلى العدل والمسامحة والعفو، والمغفرة والصبر والثبات، ودعا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحَثَّ على النصيحة وغير ذلك من مكارم الأخلاق والفضائل، والأخلاق الفاضلة تزين الإنسانيةَ، وتُعلي شأنها، وتُنسق بين أفرادها، وتصون العلاقات الجماعية، وتوجيهها إلى الخير والكمال، لتصوّر الحياة البشرية في أجمل صورها، وأحسن أحوالها، وتتجنّب الرذيلة، والفساد الخُلُقي والاجتماعي. (حقوق الإنسان، للزحيلي ص 28)


ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من كتاب: " الإيمان بالقرآن الكريم "، للدكتور علي محمد الصلابي.

المراجع:

·     حقوق الإنسان في الإسلام، محمد مصطفى الزحيلي.

·     مجموع الفتاوى، عبد الحليم ابن تيمية.

·     الموافقات، الشاطبي.

الإيمان بالقرآن الكريم، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير الطبعة الأولى، 2020م.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس