رحيم إر - صحيفة تركيا - ترجمة وتحرير ترك برس

أكثر جملة ملفتة للنظر في برنامج الحكومة الثانية والستين \المكوّن من 185 صفحة هي جملة "التنمية البشرية"، هذه الجملة لم تكن ضمن جدول الحكومة السابقة. فالحكومة السابقة أوجدت وزارة التنمية، لكن هذه الوزارة عملها كان مقتصرا على تنمية المدن والحياة الاجتماعية. تلك التنمية لا تتم أصلا إلا بعد تحويلها إلى واقع عملي عبر تحقيق تنمية بشرية تستطيع إنجاز التنمية الاجتماعية والاقتصادية. فالتنمية البشرية هي تنمية الدراسات والأبحاث، وتنمية المعرفة، وتنمية العائلة حتى تنمو الدولة.

قد يعتبر البعض أن مشكلة تركيا المستقبلية تكمن في شيخوخة مجتمعنا لهذا لا نستطيع أن نتطور وننمو على صعيد الإنتاج، لكن تنظيم الولادة، ورؤية العائلات المكتظة كشيء غريب، بينما رؤية العائلة بولدين فقط كأنها مثالية، وحتى رؤية عائلة لها ابن واحد مع ما يحمله ذلك من مخاطر جمة، كل هذا ليس غزواً عالمياً ثقافياً حضارياً فقط. إنما هناك أسباب أخرى، منها وجود أشخاص غير مؤهلين في فئة الشعب البالغة، فالناجحون خرجوا إلى الخارج، والذين تبقوا هنا حصلوا على شهادات شكلية، ولهذا بالغ الأثر على الثورة الصناعية التي نحتاجها، فنحن في القرنين الماضيين لم نخرج للعالم ولا أي اكتشاف في كل المجالات، البصرية والسمعية والطبية والصناعية والهندسية والعسكرية والعلمية وغيرها. ولم نستطع حتى تقليد منتجات الدول المصنعة مثل كوريا الجنوبية أو الصين، أو حتى منافستها.

نحن تعرضنا لضربة هي الأقسى في التاريخ في الحرب العالمية الأولى، هذا صحيح، وحليفتنا ألمانيا أيضا تعرضت لمثل هذه الضربة، ولكنها بعد خمسة عشر عاما استطاعت توظيف وتجنيد أناسها مجددا. بينما أصبحت الدول المنهزمة في الحرب العالمية الثانية مثل اليابان وكوريا الجنوبية، أصبحت من الدول الصناعية المنافسة بقوة في العالم، من خلال صناعتها لكل شيء من السيارات وحتى أجهزة الاتصالات. بينما تركيا اليوم، لا يوجد ماركا صناعية تنافس المنتجات العالمية، لا يوجد شركة تركية منافسة، ولا يوجد أسماء لأتراك ينافسون على صعيد الصناعة، أصبحنا مستهلكين للتاريخ وللحضارة.

الخلل هنا ليس متعلقا بعدد أولاد كل عائلة، وليس بعدد السكان، الخلل في شكلية التعليم، وفي تجاهل الأبحاث والدراسات، وفي إهمال الإنسان، إهمال الإنسان الذي بالنسبة لحضارتنا هو "أشرف المخلوقات". مفهوم شهادة الجودة مثلا دخل في تركيا حيّز التنفيذ منذ عشرين سنة فقط. براءة الاختراع، تسجيل الماركات، والأمور القانونية كلها أمور حديثة العهد في تركيا. براءات الاختراع والفكر والماركات هاجرت إلى الدول المتطورة. والدول المتطورة وفرت كل إمكانياتها وفتحت أبوابها لاستقبال الشباب المبدعين من الدول النامية.

لن يكون هناك دولة قوية بدون أشخاص مؤهلين ينتجون صناعات واختراعات منافسة. لهذا فإن موضوع التنمية البشرية في برنامج الحكومة، يجب أن لا يبقى مجرد كلمات رنانة دون تطبيق. التنمية البشرية، تبدأ من الفرد إلى العائلة، لتصل إلى كل زوايا الدولة، بتخطيط مدروس.

عن الكاتب

رحيم إر

كاتب في صحيفة تركيا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس