زهراء معاذ - خاص ترك برس

عاشت تركيا في العقدَين الأخيرين نهضةً في مجالات الحياة المختلفة، كالاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا، وبالتأكيد: العلوم. وبما أن علم الفلك على رأس العلوم التي يُقاسُ بها التطوّر العلمي والتكنولوجي للدول، تولي تركيا أهميةً كبيرةً لهذا العلم وتخطّطُ بشكلٍ عملي لكي تصبح ضمن أهمِّ الدول الرائدة التي تبحثُ وتحقق الإنجازاتِ فيه. ولأن الشعب التركي كغيره من شعوب منطقة الشرق الأوسط يؤمنُ إيمانًا كبيرًا بـ(الفال) و(التنجيم) و(قراءة الفنجان)، بل إنها تعدُّ جزءًا من ثقافته، تعملُ المؤسساتُ التعليميةُ في تركيا خاصةً تلك المختصّةُ بالأطفال على توضيح تلك المفاهيم بالنسبة لهم وتعليمَهم الفصلَ بين "علم الفلك" وما سمّاه أسلافُهم خطأً "علم التنجيم". فالفلك؛ يعدُّ أساس العلوم الطبيعية، ويهتمُّ بدراسة الكون الموجود خارج الغلاف الجويِّ للأرض وتدخلُ في دراسته جميعُ أنواع العلوم كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والتكنولوجيا وغيرها، أما التنجيم؛ فقد صنّفه العلماءُ كـ خُرافة. وبالفعل، نجحت المؤسساتُ التعليميةُ في ذلك، وأصبحت فئاتٌ كبيرةٌ من الجيل الجديد تولّي اهتمامًا كبيرًا بدراسة علم الفلك والإقبال على الكلياتِ التي تهتمُّ بتعليمه.

 كليات علم الفلك في تركيا

توجدُ في تركيا حوالي 183 جامعةً حكوميةً وخاصة. يدرّس بعضُها علوم الفضاء التي تهتم بدراسة الغلاف الجويّ للأرض وما يربطه بالمحيط الموجود فيه، والفيزياء الفلكية التي تهتمّ بدراسة الطبيعة الفيزيائية للأجرام السماوية، وثلاثةٌ منها فقط، تدرّسُ علم الفلك:

1- كلية الفلك وعلوم الفضاء في جامعة إسطنبول

تدرّسُ جامعةُ إسطنبول علم الفلك منذ أن تمّ افتتاحُها في المدينة على يدِ السلطان محمد الفاتح سنة 1453. وبالرغم من الأحداث التاريخية الهامّة والصعبة التي مرت بها الجامعة إلا أنها لا زالت مستمرةً حتى يومنا هذا. ومؤخرًا، في سنة 2013، تمت إعادةُ ترميمِ كلية الفلك وعلوم الفضاء لتصبح إحدى الكليات الحديثة الموجودة في تركيا، فقد تمَّ تزويدُها بمصاعد إلكترونية وعدة مختبراتٍ ومرافق مختلفة بالإضافة لوجود مكاتب استقبالٍ في الطابق الأول من الكلية من أجل إعانة الطلاب والزائرين وتوجيههم.

يعمل في الكلية 22 أستاذًا، 8 منهم برتبة بروفيسور. وقد بدأت الكليةُ سنة 2009 بتقديم برنامج التعليم المسائي للطلاب الذين لا يمكنهم حضورُ الدروس صباحًا.

وفي عام 2010 تم تحديثُ المرصد الفلكي الخاص بالجامعة ليصبح موافقًا للمعايير العالمية الحديثة.

2- كلية الفلك وعلوم الفضاء في جامعة أنقرة

تم تأسيسُ الكلية سنة 1954 برئاسة البروفيسور أوكياي كاباكشي أوغلو. ويوجد فيها اليوم كادرٌ تعليميٌّ يشمل 21 أستاذًا، 4 منهم برتبة بروفيسور.

سنة 1963 تم افتتاحُ المرصد الفلكي الخاص بالجامعة على  يد البروفيسور إغبيرت أدريان كريكان. وتم تزويد المرصد بالعديد من المعدّات والتلسكوبات والأجهزة الفلكية الخاصة بالرصد.

وفي سنة 2013، تمت تسمية المرصد باسم كريكان تيمنًّا بالبروفيسور المؤسس.

3- كلية الفلك وعلوم الفضاء في جامعة إيجه

تم تأسيسُ الكلية في الجامعة التي تقع في مدينة إزمير سنة 1965. وتتيح الجامعة دراسة التخصص في الثلاث مراحل: البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه.

كما تتيح جامعتا إسطنبول وأنقرة أيضًا دراسة المراحل الثلاث في علم الفلك. وتجدرُ الإشارةُ إلى أن اللغة المعتمدة لتدريسه هي اللغة التركية في محاولة من الدولة لتأسيس حاضنة تركية قوية لهذا العلم. كما تقوم الكلياتُ الثلاث في كل عامٍ بتجهيز عدة أنشطةٍ لطلاب المدارس الابتدائية من أجل تعريفهم على علم الفلك وإتاحة الفرصة لهم للاطّلاع على الأجواء الدراسية في الجامعة.

المراصد الفلكية في تركيا

توجد في تركيا 9 مراصد فلكية أبرزُها مرصد مجلس البحوث العلمية والتكنولوجية "توبيتاك" (TÜBİTAK) الذي يقع في أعلى قمم سلسلة جبال "باي" (Bey) في مدينة أنطاليا. ويقصده العديدُ من العلماء والباحثين الذين استطاعوا تحقيق عددٍ من الإنجازات الفلكية فيه، كان آخرُها اكتشاف علماء أتراك كوكبًا جديدًا للمرة الأولى في شهر آب/ أغسطس من العام الجاري 2017.

تم افتتاحُ المرصد سنة 1979على يد البروفيسور نُزهِت غوكدوهان من جامعة إسطنبول والبروفيسور عبدالله كيزيلرماك من جامعة إيجه بعد عملٍ استمرَّ لـ 19 عامًا.

أما المراصد الأخرى فتشملُ كريكان في جامعة أنقرة، ومركز البحوث والتطبيقات في جامعة إسطنبول، ومرصد جامعة إيجه، وكانديلّي للرصد وبحوث الزلازل في جامعة بوغازي تشي (البوسفور)، وأولوبينار في جامعة أونسيكيز مارت، ومركز البحوث والتطبيقات الفيزيائي الفلكي في جامعة أتاتورك، ومرصد جامعة أوندوكوز مايس، ومركز البحوث والتطبيقات لعلوم الفضاء والطاقة الشمسية في جامعة تشوكوروفا.

الأقمار الصناعية التركية

تعدُّ تركيا واحدة من 30 دولة في العالم تمتلك أقمارًا صناعية. وقد قامت تركيا بتصنع 6 أقمار صناعية للاتصالات 4 منها تحت الاستخدام، كما قامت بتصنيع 3 للمراقبة اثنان منهم تحت الاستخدام. وستقوم في العام القادم 2018 بإطلاق قمرين صناعيين جديدين، بينما تعملُ على تجهيز القمر الصناعي الجديد 6A الذي سيتمُّ إطلاقه في مطلع 2020 وسيُستخدمُ في الدراسات الفضائية والاتصالات.

جمعية الفلك التركية (TAD)

تم تأسيسُ الجمعية سنة 1982 بهدف تطوير مجال علم الفلك في تركيا ودعم الطلاب والباحثين المهتمين به وتأسيس قاعدة مرجعية لهم.

تنشرُ الجمعيةُ عددًا من البحوث والمجلات والأخبار الفلكية، كما تقيمُ بشكلٍ مستمر أنشطةً تعليميةً خاصةً بالطلاب، ويعمل فيها عددٌ من الباحثين برئاسة آيسون آكيوز.

مركز كوكمن للطيران والفضاء

في 24 من شهر أغسطس للعام الجاري 2017 تم وضع حجر الأساس لأول مركز فضاء تركي يُتوقّعُ أن يكون ضمن أفضل خمس مراكز فضاءٍ في العالم تحت اسم "كوكمن". وقد تمَّ تأسيسُه من قبل بلدية بورصة بالتعاون مع توبيتاك بتكلفةٍ تصلُ إلى 125 مليون ليرة تركية.

يقع المركزُ في مدينة بورصة على مساحة 13 ألف متر مربع، ويضم مساحةً خالية الجاذبية ونفقًا للرياح العمودية و154 نقطة للتدريب التفاعلي. كما تم تزويدُه بمرافق ومعارض تتعلق بالفضاء والطيران. ويُتوقّع أن يساهم المركزُ في جعل تركيا واحدةً من أفضل الدول على مستوى العالم في مجال علم الفلك خلال 20 عامًا القادمة.

تعملُ تركيا على تطوير مجال علم الفلك بكافة الإمكانيات المُتاحة بل وإيجاد إمكانياتٍ جديدة، وقد نشهد في الأعوام القادمة إعلانًا عن إنشاء وكالة فضاءٍ تركية، الأمر الذي جرت العديد من النقاشات والحوارات داخل الحكومة حوله. وفي جميع الأحوال، يُتوقّع لتركيا أن تصبح رائدةً في هذا المجال في ضوء الإنجازات السريعة والمستمرة التي تشهدُها الدولة في الفترة الأخيرة. 

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!