العقيد فايز الأسمر - خاص ترك برس

الأزمة السورية ستدخل قريبا عامها الحادي عشر؛ وللأسف حتى وقتنا هذا لايلوح ضوء في النفق الطويل المظلم؛ ولاوجود لأية بوادر حلول أو أي تطبيق للقوانين الدولية والأممية الصادرة؛ والتي يمكن لها ان تنهي َمعاناة السوريين وتحقق لهم حلا سياسيا قد يلبي طموحاتهم ومطالبهم و يداوي بعضا من جراحهم ...!

من المعلوم أن تركيا وقيادتها السياسية؛ ومنذ بدايات إنطلاق إحتجاجات ومظاهرات الربيع العربي؛ قد أدركت واستوعبت أكثر من غيرها من دول العالم هذه الظواهر و أحقية هذه المظاهرات الإحتجاجبة؛ التي قامت بها المجتمعات العربية وإنتفاضها دون أي تخوف او حسابات لإنعكاسات أوعواقب أخرى؛ للمطالبة بحقوقها التي ضمنتها لهم تعاليم السماء وقوانين الأرض؛ في الحرية والعيش الكريم؛ وتحقيق العدالة والمساواة التي لم يعيشوها؛ بل وكانت محرمة عليهم حتى في أحلامهم؛ بسبب ممارسات القيادات العسكرية والأمنية القمعية التي حكمتهم و تسلطت على بلادهم و رقابهم لعقود طويلة من الزمن..!

ومما لاشك فيه أن تركيا وقيادتها وبكل ماتملك من إمكانيات؛ قد وقفت إلى جانب مطالب الشعوب العربية المحقة جمعاء؛ لكنها وبالأخص وقفت ومازالت تقف بقوة وعلى أصعدة عدة وبكل ما اتيح لها من إمكانيات سياسية وإقتصادية ومعنوية إلى جانب الشعب السوري؛ المظلوم المدمر الذي تجمعه وتربطه مع الشعب التركي؛ بحكم الجوار الجغرافي والماضي التليد الكثير من العادات والمشاعر والأحاسيس المشتركة؛ والمتبادلة منذ عصور وحتى يومنا هذا... !

بالتأكيد لايخفى على عاقل أن الوقوف التركي قيادة وشعبا إلى جانب الشعب السوري و ماتلاه من فتح انقرة للحدود التركية؛ وخاصة في السنوات الثلاث الأولى للثورة السورية؛ والسماح لموجات اللاجئين الهاربين من الموت ومن براميل وبطش النظام بالدخول إلى اراضيها؛ قد كلف حقيقة ولايزال القيادة التركية الكثير من الأعباء الإقتصادية والإجتماعية والأمنية؛ التي تعجز عنها دول غنية كثيرة؛ . ومن أهم تلك الأعباء واشدها خطورة على تركيا و امنها القومي والتي عانت وتعاني منها تركيا حتى الآن هو العبئ الأمني في مكافحة الإرهاب بشتى صوره وأشكاله وخاصة إرهاب داعش وارهاب حزب العمال الكردستاني "PKK" واذرعه ميليشيات "YPG-PYD" الإنفصالية المدعومة أمريكيا و(روسيا) والتي إستفحل أمرها واصبحت هاجسا مؤرقا لأنقرة يقبع على طول حدودها الجنوبية المشتركة مع سوريا .. !

في المحصلة لايمكن لأي أحد أن يزاود على تركيا؛ أو يقف في وجهها وبوجه أحقيتها المطلقة في مكافحة كافة الأنشطة الإرهابية؛ التي تستهدف وحدة نسيج الشعب التركي؛ ووحدة أراضيه وأمنه القومي؛ داخل وخارج حدودها ؛ وعليه فإن البرلمان التركي قد صادق بأغلبية الأصوات؛ على مذكرة ثانية تمنح الرئيس رجب طيب أردوغان صلاحية إرسال قوات لتنفيذ عمليات عسكرية وإستباقية خارج الحدود؛ في كل من سوريا والعراق "ضد "حزب العمال الكردستاني" الإرهابي؛ في شمالي العراق، وأيضا ضد المسلحين الأكراد من تنظيم YPG - PYD الإرهابيين شمالي سوريا. لمدة عامين آخرين..!

وفي الواقع إن تركيا وفي مواصلتها الدائمة لمكافحة التنظيمات الإرهابية YPG - PYD وتقدبمها كل تلك التضحيات ودماء من دماء جنودها على الأراضي السورية؛ وتكبدها الخسائر العسكرية والمادية الكبيرة؛ إنما تكافح وقبل كل شيئ ودون اي دوافع أخرى؛ تنظيمات ارهابية تشكل تهديدا وجوديا حقيفيا على وحدة الأراضي السورية؛ وعلى مرتكزات ودعائم الأمن القومي التركي.. ! ؛ وبالتالي فإننا نستطع القول والرد على بعض المشككين بالمواقف السياسة التركية و المتصيدين في الماء العكر؛ بأن أنقرة لايوجد لديها اية اطماع مطلقا بالأراضي السورية؛ أو حتى العراقية ولاتفكر مجرد التفكير بذلك ؛ فهي تنعم بما منحها ا من مساحات واسعة شاسعة من الأراضي الخيرة والثروات التي تكفيها وتكفي شعوبها لأجيال وأجيال قادمة..!

من المعلوم أن الفوضى التي أحدثها وجود تنظيم داعش الإرهابي وسيطرته على مناطق و أراض شاسعة في كل من سوريا والعراق وتواجده قبل أن يطرد قرب حدود تركيا الجنوبية في سوريا؛ ومانتج عنه من تدخلات أجنبية و تحالفات لقتاله شاركت فيها أيضا تركيا ضمن صفوف التحالف الدولي؛ لمكافحة الإرهاب "2014"..وماتلاه من إزدحام الجغرافيا السورية بأصحاب النفوذ؛ وماخلفته الإرتدادات والأوضاع الميدانية الناشئة بعد سقوط داعش؛ وضعف أو فقدان الأجهزة الحكومية القدرة بالسيطرة على حدودها ؛ جعل تنظيمات إرهابية أخرى لاتقل خطورة عن داعش تسيطر على مناطق واسعة قرب الحدود السورية التركية وهي ميليشيات YPG - PYD الإرهابية التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي؛ في سوريا وتعتبر إمتدادا لحزب العمال الكردستاني الإرهابي؛ الذي تخوض معه تركيا صراع ًا مسلح ًا داميا؛ منذ ثمانينيات القرن الماضي؛ حيث يطالب هذا الحزب الدموي بإقامة حكم ذاتي للأكراد في مناطق تواجدهم في جنوبي شرقي تركيا؛ .كومن المعروف أن وحدات حماية الشعب الإرهابية لاتنكر مطلقا تبنيها لأفكار زعيم حزب العمال الكردستاني الارهابي "عبد ا أوجلان"، لكنها تصر اصرارا كاذبا على أنها "كيان مستقل ولا علاقة لها به عسكريا؛ أما تركيا فتقول إن هذه الجماعة "إرهابية" مثلها مثل "تنظيم الدولة الإسلامية" ولاتختلف عنه مطلقا، ...!!

من الملاحظ ان كل الاطراف (روسيا واشنطن إيران التحالف)؛ التي تواجدت في سوريا أتت بحجة مكافحة الإرهاب (داعش) الذي يهدد أمنهم القومي كما يدعون .!! ؟ . رغم أن تنظيم داعش الارهابي يبعد عن حدودهم آلاف الكيلومترات؛ وهاهي إسرائيل أيضا ودون حسيب او رقيب تغير بطائراتها لمئات المرات ومنذ سنوات على الأراضي السورية لضرب أهداف ايرانية تشك بانها خطر مستقبلي يهدد أمنها القومي؛ اذًا فأجده من الطبيعي "لتركيا" التي يربط بينها وبين سوريا شريط حدودي مشترك يصل لأكثر من "900"كم ودون أخذ الإذن من أحد أو القبول بلوم أحد أيضا بمكافحة إرهاب مباشر يهدد أمنها القومي ويقبع على بعد أمتار من حدودها؛ وأن تتصرف حسب ماتقتضيه إتفاقية "أضنة 1998" وخاصة بعد تنصل واشنطن وروسيا من تعهداتهما وعدم القيام بإبعاد ميليشيا قسد الارهابية إلى عمق 35 كم عن الحدود التركية؛ ونزع أسلحتها الثقيلة منها وإقامة منطقة آمنة وايضا لعدم تنفيذهما خطتي طريق منبج وتلرفعت المتفق عليها مع أنقرة ..!

ختاما.. فإن الإرهاب ليس ثوبا تلبسه واشنطن وحلفاءها لمن تشاء وتنزعه عمن تشاء وحسب ماتقتضيه مصالحهم؛ لذلك فإن تركيا وقيادتها السياسية تصرفت وستتصرف لاحقا وفق رؤيتها و ماتتطلبه مصالحها في الحفاظ على امن حدودها؛ وامنها القومي وأمن قواتها المتواجدة داخل الأراضي السورية؛ بموجب توافقات أستانة ولذلك قامت بتنفيذ عمليات درع الفرات تحرير )جرابلس( في "24" آب "2016" وعملية غصن الزيتون (تحرير عفرين) في 20 كانون ثاني "2018" وعملية نبع السلام (تحرير رأس العين وتل ابيض) في "9" تشرين الأول "2019" ، والتي كانت بحق ضربة قاصمة لمشاريع الانفصال والتجزئة التي ُتغ ذيها بعض القوى المعادية لتركيا وبذلك قطع الممر الإرهابي الذي كانت تريد ميليشيا YPG - PYD انشاؤه من "أربيل" وصولا للبحر المتوسط؛ وبالتأكيد انقرة هددت أيضا خلال الشهر الماضي باستعدادها للقيام بعملية رابعة وحسب ماتقتضيه متطلبات مصالح امنها القومي ...!

عن الكاتب

العقيد فايز الأسمر

كاتب وباحث في القضايا السياسية والعسكرية الشرق أوسطية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس