(هيكل بالشمع للمعمار سنان في إحدى المتاحف التركية)

ترك برس

لا يزال الأتراك يحيون كل عام، ذكرى وفاة المعماري العثماني خوجة معمار سنان آغا (1489 - 1588)، الذي أينما تجولت في إسطنبول وغيرها من المناطق التركية، ترى آثاره التي ناهزت الـ 400 أثر، وذلك بعد أن كانت هذه الشخصية جندياً في الانكشارية العثمانية.

ولد سنان في قرية آغيرناص الواقعة حاليا بولاية قيصري وسط تركيا، عام 1490 لأسرة مسيحية، انتقلت فيما بعد إلى إسطنبول، ثم اعتنق الإسلام وهو في بدايات العشرينيات من عمره، في عهد السلطان العثماني سليم الأول.

يقع قبره، الذي يشبه الفرجار (البرجل) عند النظر إليه من الأعلى، في زاوية مجمع السليمانية الذي يوصف بأنه أفضل ما بناه سنان.

بداية عسكرية

بعدما أتيح له التعرف على الأعمال المعمارية في المنطقة، وبعد مشاركته في حملة سليم الأول على الشام ومصر، درس سنان العلاقة بين فنون العمارة القديمة، ونظيراتها التي جرى بناؤها في العهدين السلجوقي والصفوي.

التزم في صفوف قوات النخبة (الانكشارية) في عهد السلطان سليمان القانوني، وصعد مراتب النجاح بسرعة عقب مشاركته في حملات القانوني على بلغراد (1521) ورودوس (1522)، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.

وفي بداية حقبة الحرب العثمانية الصفوية (1532-1555)، وبأمر من الوزير العثماني لطفي باشا عام 1534، بنى في تطوان (مدينة جنوب شرقي الأناضول) 3 قوادس (نوع من السفن الحربية المزودة بمجاديف)، وقام بتجهيز هذه السفن بأسلحة نارية مثل المدافع والبنادق، وتولى إدارة هذه السفن وجمع المعلومات حول وضع القوات الصفوية.

كان الهدف الرئيسي لسنان، الذي كان مقربا من القانوني وخدم في مختلف إدارات الدولة العثمانية، هو العمل كمهندس معماري وبناء أشهر صروح الدولة.

ونال سنان تقدير القانوني بعد بنائه جسرا بتكليف من لطفي باشا، فوق نهر بروت (يقع حاليا بين رومانيا ومولدوفا ويمر عبر أوكرانيا أيضا)، وذلك في غضون 13 يوما فقط، خلال حملة قره بغدان (مولدوفا)، ليصبح بعدها كبير المهندسين (باشمهندس) في الدولة العثمانية وليترك بعد هذه الواقعة العمل في الجيش مكرسا نفسه لشؤون الهندسة المعمارية.

وحسب المصادر التاريخية، فإن المعماري سنان رزق من زوجته مهري خاتون بابن أسماه محمد وابنتين هما نسليخان وأوموخان.

منجزات عديدة

شغل المعماري سنان منصب كبير المهندسين لمدة 49 عاما، على امتداد عهود سليمان القانوني وابنه سليم الثاني وحفيده مراد الثالث.

قام بتصميم وبناء وإصلاح المئات من المباني الكبيرة والصغيرة خلال حياته المهنية التي استمرت ما يقرب من 50 عاما.

بنى 82 جامعا، و52 مسجدا، و55 مدرسة، و7 دور لتلاوة القرآن، و20 مقبرة، و17 مطعم للفقراء (دار الضياف)، و3 دور للشفاء (مستشفيات)، و6 قنوات مائية، و10 جسور، و20 خانا، و36 قصرا، و8 مخازن، و48 حماما تركيا.

ورغم أن الجوامع الكبيرة والكليات (مجمع مبان يتمحور حول جامع ويضم أحيانا مدرسة ودار استشفاء ومطابخ ومخابز وحماما تركيا وخدمات أخرى) هي الأكثر لفتا للانتباه بين أعماله، فإن المعماري العثماني أنتج أيضا أعمالا مهمة في مجالات مختلفة مثل الجسور والقنوات المائية.

كما قام بأعمال ترميم مهمة للحفاظ على مسجد آيا صوفيا الكبير، بما في ذلك إصلاح القبة عام 1573، وبنى جدرانا داعمة حول البناء.

إتقان وجمال

ساهم المعماري سنان في عملية البناء التي شهدتها مختلف مناطق وولايات الدولة العثمانية.

وقد وُصفت مسيرته المهنية بأنها مرت بـ3 مراحل، الأولى مرحلة التدريب التي شهدت بناء مسجد شاه زاده عام 1548، ومرحلة المهارة التي شهدت بناء مجمع السليمية عام 1557، ومرحلة الإتقان والاحترافية التي شهدت بناء مجمع السليمانية عام 1575.

وبنى مسجد شاه زاده ذا التصميم المربع، كأول مبنى متماثل ثنائي المحور، بشكل نصف كروي كبير ومغطى بـ4 أنصاف قباب حوله.

طغت على المسجد البساطة، في حين جرى رفع جميع القباب على 4 أركان كبيرة تعرف باسم "أقدام الفيل".

كما بني المسجد كمجمع يحتوي أيضا على مطبخ للفقراء ومدرسة ومقبرة.

أما مجمع السليمانية، أحد أهم أعمال العمارة العثمانية، فقد بقي واقفا دون أن يمس بأي ضرر في مواجهة العديد من الزلازل.

القبة الكبرى لمسجد السليمانية يبلغ ارتفاعها 53 مترا وقطرها 27.5 مترا، وجرى بناؤها من قبل المعماري سنان بين عامي 1551-1557، مدعومة بنصف قبة، تماما كما هو الحال في مسجد آيا صوفيا.

تخطيط حضري

كما يعتبر مسجد ومجمع السليمية في أدرنة (شمال غرب)، واحدا من روائع الفن التركي والعثماني، والأبرز في التاريخ المعماري العالمي للمعماري سنان.

بُني المجمع والمسجد ذو المآذن الأربع في عهد السلطان سليم الثاني عام 1620، ويُظهر هذا الصرح مدى خبرة المعماري سنان في التخطيط الحضري من حيث اختيار موقع البناء.

جرى بناء المسجد والمجمع بالحجر المنحوت بمساحة تبلغ 2475 مترا مربعا، وارتفاع 43.28 مترا، في حين يبلغ قطر القبة 31.30 مترا.

تقع القبة الرئيسية للمسجد، وهي أكبر من قبة آيا صوفيا، على 8 أركان كبيرة متصلة بأقواس بعرض 6 أمتار. كما توجد في المسجد 4 قباب في الزوايا وقبة عند المحراب.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!