محمود أوفور – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

كلما مرت تركيا بأوقات عصيبة يتدخل منتهزو الفرص من الداخل والخارج، ويصورون مشهدًا قاتمًا عنها، من خلال الإدعاء بوجود أزمة.

هذا ما رأيناه في أحداث منتزه غيزي عام 2013، والانقلاب القضائي في 17 و25 ديسمبر 2013، والمحاولة الانقلابية في 15 يوليو 2016. بل إن البعض ذهب إلى حد تعليق آماله على التفجيرات التي تنفذها التنظيمات الإرهابية.

همهم الوحيد هو إخفاء الهدف الحقيقي لهذه الهجمات الرامية إلى تقويض تركيا، واستغلال الفرصة من أجل تشكيل حكومة تناسبهم إلا أنهم لم ينجحوا.

الأمر نفسه نراه الآن في الحملة الاقتصادية الأمريكية على تركيا. فمعظم أحزاب المعارضة ووسائل الإعلام ظنت أن هذه الهجمة ستدمر تركيا، لكنها أخطأت لأنها لم تستخلص الدروس من التاريخ القريب.

فتركيا وقفت على المحور الأساسي وفي المكان الصحيح أخلاقيًّا منذ اندلاع ثورات الربيع العربي وفي مقدمتها سوريا ومصر، على الرغم من وقوع بعض الأخطاء. وثبتت على موقفها هذا حتى النهاية رغم عشرات الهجمات الإرهابية.

اتخذت تركيا الموقف نفسه بالوقوف إلى جانب إيران عام 2010، وإلى جانب قطر لاحقًا مع اندلاع أزمة الخليج. تذكروا من قالوا آنذاك "ما شأن تركيا هناك؟"، وأثاروا زوبعة بتساؤلهم "لماذا تنشئ تركيا قاعدة عسكرية في قطر؟".

العقلية نفسها ظهرت من جديد، وهذه المرة أطلق أصحابها صيحات الفرح مع ارتفاع أسعار الدولار، وقال البعض منهم بازدراء: "أين قطر، لماذا لا نراها أبدًا؟".

قبل أن يمضي وقت طويل، كذبتهم قطر. التقى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة، ولم يكتفِ بدعم تركيا قولًا فحسب، بل اتخذ موقفًا سياسيًّا من خلال تعهده بتقديم استثمارات مباشرة إلى تركيا بقيمة 15 مليار دولار.

هذه ثمرة ما غرسته تركيا عندما وقفت إلى جانب قطر في مواجهة الحصار الأمريكي الإسرائيلي الخليجي، وأقامت قاعدة عسكرية فيها.

وفي الواقع، نشهد نشوء أجواء جديدة مع حملة الدولار ضد تركيا. فالولايات المتحدة أصبحت كمن قطع الغصن الذي يقف عليه من خلال سعيها لتحقيق مكاسب سياسية داخلية عبر الحملة.

بالأساس هناك توجه مناهض للولايات المتحدة في المنطقة، وتعزز هذا التوجه مع الهجمة الأمريكية على تركيا.

هناك خط سياسي جديد يتشكل في العالم الإسلامي من قطر إلى باكستان، ويمتد ليصل إلى البلقان والقوقاز والاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية.

هكذا تحولت أزمة الدولار الرامية إلى حصار تركيا إلى بوميرانج سوف يعود ليضرب الولايات المتحدة، التي ربما ستدفع أكبر فاتورة في تاريخها.

عن الكاتب

محمود أوفور

كاتب في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس